فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)}.
اختلف الناس في قوله: {طه} بحسب اختلافهم في كل الحروف المتقدمة في أوائل السور إلا قول من قال هناك إن الحروف إشارة إلى حروف المعجم كما تقول أ. ب. ج. د. فإنه لا يترتب هنا لأن ما بعد {طه} من الكلام لا يصح أن يكون خبرًا عن {طه} واختصت أيضًا {طه} بأقوال لا تترتب في أوائل السور المذكورة، فمنها قول من قال: {طه} اسم من أسماء محمد عليه السلام، وقوله من {طه} معناه: يا رجل بالسريانية، وقيل بغيرها من لغات العجم، وحكي أنها لغة يمينة في عك وأنشد الطبري: الطويل:
دعوت بطه في القتال فلم يجب ** فخفت عليه أن يكون موائلًا

ويروى مزايلًا وقال الآخر: البسيط:
إن السفاهة طه من خلائقكم ** لا بارك الله في القوم الملاعين

وقالت فرقة: سبب نزول الآية إنما هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمله من مشقة الصلاة حتى كانت قدماه تتورم ويحتاج إلى الترويح بين قدميه فقيل له طًا الأرض أي لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح، فالضمير في {طه} للأرض وخففت الهمزة فصارت ألفًا ساكنة، وقرأت {طه} وأصله طأ فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت، وقرأ ابن كثير وابن عامر: {طَهَ} بفتح الطاء والهاء وروي ذلك عن قالون عن نافع، ووروي عن يعقوب عن كسرهما، وروي عنه بين الكسر والفتح، وأمالت فرقة، والتفخيم لغة الحجاز والنبي عليه السلام، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بكسر الطاء والهاء، وقرأ أبو عمر و{طَهِ} بفتح الطاء وكسر الهاء، وقرأت فرقة {طَهْ} بفتح الطاء وسكون الهاء، وقد تقدمت، وروي عن الضحاك وعمرو بن فائد انهما قرأ {طاوي}. وقوله: {لتشقى} قالت فرقة: معناه لتبلغ عن نفسك في العبادة والقيام في الصلاة، وقالت فرقة: إنما سبب الآية أن قريش لما نظرت إلى عيش رسول صلى الله عليه وسلم وشظفه وكثرة عبادته قالت: إن محمدًا مع ربه في شقاء فنزلت الآية رادة عليهم، أي إن الله لم ينزل القرآن ليجعل محمدًا شقيًا بل ليجعله أسعد بني آدم بالنعيم المقيم في أعلى المراتب، فالشقاء الذي رأيتم هو نعيم النفس ولا شقاء مع ذلك ع: فهذا التأويل أعم من الأول في لفظة الشقاء، وقوله: {إلا تذكرة} يصح أن ينصب على البدل من موضع {لتشقى} ويصح أن ينصب بفعل مضمر تقديره لكن أنزلناه تذكرة، و{يخشى} يتضمن الإيمان والعمل الصالح إذ الخشية باعثة على ذلك، وقوله: {تنزيلًا} نصب على المصدر، وقوله: {ممن خلق الأرض والسماوات العلى} صفة أقامها مقام الموصوف، وأفاد ذلك العبرة والتذكرة وتحقير الأوثان وبعث النفوس على النظر، و{العلى} جمع عليا فعلى.
وقوله: {الرحمنُ} رفع بالابتداء ويصح أن يكون بدلًا من الضمير المستقر في {خلق}. وقوله: {استوى} قالت فرقة: هو بمعنى استولى، وقال أبو المعالي وغيره من المتكليمن: هو بمعنى استواء القهر والغلبة، وقال سفيان الثوري: فعل فعلًا في العرش سماه استواء وقال الشعبي وجماعة غيره: هذا من متشابه القرآن يؤمن به ولا يعرض لمعناه، وقال مالك بن أنس لرجال سأله عن هذا الاستواء فقال له مالك: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عن هذا بدعة وأظنك رجل سوء أخرجوه عني، فأدبر السائل وهو يقول يا أبا عبدالله لقد سألت عنها أهل العراق وأهل الشام فما وفق احد توفيقك.
قال القاضي أبو محمد: وضعف أبو المعالي قول من قال لا يتكلم في تفسيرها بأن قال إن كل مؤمن يجمع على أن لفظة الاستواء ليست على عرفها في معهود الكلام العربي، فإذا فعل هذا فقد فسر ضرورة ولا فائدة في تأخره على طلب الوجه والمخرج البين، بل في ذلك البأس على الناس وإيهام للعوام، وقد تقدم القول في مسألة الأستواء. وقوله: {له ما في السماوات} الآية تماد في الصفة المذكورة المنبهة على الخالق المنعم، وفي قوله: {ما تحت الثرى} قصص في أمر الحوت ونحوه اختصرته لعدم صحته، والآية مضمنة أن كل موجود محدث فهو لله بالملك والاختراع ولا قديم سواه تعالى. و{الثرى} التراب الندي. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

سورة طه وهي مكية كلُّها بإجماعهم.
وفي سبب نزول طه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراوح بين قدميه، يقوم على رِجْل، حتى نزلت هذه الآية، قاله علي عليه السلام.
والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا نزل عليه القرآن صلَّى هو وأصحابه فأطال القيام، فقالت قريش: ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إِلا ليشقى، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك.
والثالث: أن أبا جهل، والنضر بن الحارث، والمطعم بن عدي، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنك لتشقى بترك ديننا، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
وفي {طه} قراءات.
قرأ ابن كثير، وابن عامر: {طَهَ} بفتح الطاء والهاء.
وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: بكسر الطاء والهاء.
وقرأ نافع: {طه} بين الفتح والكسر، وهو إِلى الفتح أقرب؛ كذلك قال خلف عن المسيّبي.
وقرأ أبو عمرو: بفتح الطاء وكسر الهاء، وروى عنه عباس مثل حمزة.
وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين العقيلي، وسعيد بن المسيب، وأبو العالية: بكسر الطاء وفتح الهاء.
وقرأ الحسن: {طَهْ} بفتح الطاء وسكون الهاء.
وقرأ الضحاك، ومورِّق: {طِهْ} بكسر الطاء وسكون الهاء.
واختلفوا في معناها على أربعة أقوال:
أحدها: أن معناها: يا رجل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة؛ واختلف هؤلاء بأيِّ لغة هي، على أربعة أقوال:
أحدها: بالنبطيّة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير في رواية، والضحاك.
والثاني: بلسان عكّ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: بالسريانية، قاله عكرمة في رواية، وسعيد بن جبير في رواية، وقتادة.
والرابع: بالحبشية، قاله عكرمة في رواية.
قال ابن الأنباري: ولغة قريش وافقت هذه اللغة في المعنى.
والثاني: أنها حروف من أسماء.
ثم فيها قولان:
أحدهما: أنها من أسماء الله تعالى.
ثم فيها قولان:
أحدهما: أن الطاء من اللطيف، والهاء من الهادي، قاله ابن مسعود، وأبو العالية.
والثاني: أن الطاء افتتاح اسمه: طاهر وطيِّب والهاء افتتاح اسمه هادي قاله سعيد بن جبير.
والقول الثاني: أنها من غير أسماء الله تعالى.
ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الطاء من طابة، وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والهاء من مكة، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
والثاني: أن الطاء: طرب أهل الجنة، والهاء: هوان أهل النار.
والثالث: أن الطاء في حساب الجُمل تسعة، والهاء خمسة، فتكون أربعة عشر.
فالمعنى: يا أيها البدر ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، حكى القولين الثعلبي.
والثالث: أنه قَسَم أقسم الله به، وهو من أسمائه، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وقد شرحنا معنى كونه اسمًا في فاتحة مريم.
وقال القرظي: أقسم الله بطَوْله وهدايته؛ وهذا القول قريب المعنى من الذي قبله.
والرابع: أن معناه: طأِ الأرض بقدميك، قاله مقاتل بن حيان.
ومعنى قوله: {لتشقى}: لتتعب وتبلغ من الجهد ما قد بلغتَ، وذلك أنه اجتهد في العبادة وبالغ، حتى إِنه كان يراوح بين قدميه لطول القيام، فأُمر بالتخفيف.
قوله تعالى: {إِلاّ تَذْكِرَةً} قال الأخفش: هو بدل من قوله: {لتشقى} ما أنزلناه إِلا تذكرةً، أي: عظةً.
قوله تعالى: {تنزيلًا} قال الزجاج: المعنى: أنزلناه تنزيلًا، و{العُلى} جمع العُلَيا، تقول: سماء عُلْيا، وسماوات عُلَى، مثل الكُبرى، والكُبَر.
فأما {الثرى} فهو التراب النديّ.
والمفسرون يقولون: أراد الثرى الذي تحت الأرض السابعة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {طه} اختلف العلماء في معناه؛ فقال الصدّيق رضي الله تعالى عنه: هو من الأسرار؛ ذكره الغزنوي.
ابن عباس: معناه يا رجل؛ ذكره البيهقي.
وقيل: إنها لغة معروفة في عُكْلٍ.
وقيل: في عَكّ؛ قال الكلبي: لو قلت في عَكّ لرجل يا رجل لم يجب حتى تقول طه.
وأنشد الطبريّ في ذلك فقال:
دعوت بطه في القتال فلم يُجِبْ ** فخفتُ عليه أن يكون مُوَائِلا

ويروى: مُزايلا.
وقال عبد الله بن عمرو: يا حبيبي بلغة عَكّ؛ ذكره الغزنوي.
وقال قطرب: هو بلغة طيّء؛ وأنشد ليزيد بن المهلهِل:
إنّ السَّفاهَة طَهَ من شمائلكم ** لا بارك الله في القوم المَلاَعِين

وكذلك قال الحسن: معنى {طه} يا رجل.
وقاله عكرمة، وقال: هو بالسريانية كذلك؛ ذكره المهدويّ، وحكاه الماوردي عن ابن عباس أيضًا ومجاهد.
وحكى الطبريّ: أنه بالنَّبَطِيّة يا رجل.
وهذا قول السدي وسعيد بن جبير وابن عباس أيضًا؛ قال:
إن السفاهة طه من خلائقكم ** لا قدّس الله أرواح الملاعين

وقال عكرمة أيضًا: هو كقولك يا رجل بلسان الحبشة؛ ذكره الثعلبي.
والصحيح أنها وإن وجدت في لغة أخرى فإنها من لغة العرب كما ذكرنا، وأنها لغة يمنية في عَكّ وطيِّء وعُكل أيضًا.
وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى، وقَسَمٌ أقسم به.
وهذا أيضًا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل: هو اسم للنبي صلى الله عليه وسلم سماه الله تعالى به كما سماه محمدًا.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لي عند ربي عشرة أسماء» فذكر أن فيها طه ويس، وقيل: هو اسم للسورة، ومفتاح لها.
وقيل: إنه اختصار من كلام الله خص الله تعالى رسوله بعلمه.
وقيل: إنها حروف مُقطَّعة، يدل كل حرف منها على معنى؛ واختلف في ذلك؛ فقيل: الطاء شجرة طوبى، والهاء النار الهاوية، والعرب تعبر عن الشيء كله ببعضه؛ كأنه أقسم بالجنة والنار.
وقال سعيد بن جبير: الطاء افتتاح اسمه طاهر وطيب، والهاء افتتاح اسمه هادي.
وقيل: طاء يا طامع الشفاعة للأمة، هاء يا هادي الخلق إلى الله.
وقيل: الطاء من الطهارة، والهاء من الهداية؛ كأنه يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: يا طاهرًا من الذنوب، يا هادي الخلق إلى علام الغيوب.
وقيل: الطاء طُبول الغُزاة، والهاء هيبتهم في قلوب الكافرين.
بيانه قوله تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} [آل عمران: 151] وقوله: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} [الأحزاب: 26].
وقيل: الطاء طرب أهل الجنة في الجنة، والهاء هوان أهل النار في النار.
وقول سادس: إن معنى {طه} طوبى لمن اهتدى؛ قاله مجاهد ومحمد بن الحنفية.
وقول سابع: إن معنى {طه} طَإِ الأرض؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحمل من مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورم، ويحتاج إلى الترويح بين قدميه، فقيل له: طإ الأرض؛ أي لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح؛ حكاه ابن الأنباري.
وقد ذكر القاضي عياض في الشفاء أن الربيع بن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى، فأنزل الله تعالى {طه} يعني طَإِ الأرض يا محمد {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى}.
الزمخشري: وعن الحسن {طَهْ} وفُسّر بأنه أمر بالوطء، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه، فأمر أن يطأ الأرض بقدميه معًا، وأن الأصل طَأْ فقلبت همزته هاء كما قلبت ألفًا في يطا فيمن قال:
لا هَنَاكِ المرتَعُ

ثم بنى عليه هذا الأمر، والهاء للسكت.
وقال مجاهد: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يربطون الحبال في صدورهم في الصلاة بالليل من طول القيام، ثم نسخ ذلك بالفرض، فنزلت هذه الآية.
وقال الكلبي: لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة، واشتدّت عبادته، فجعل يصلي الليل كله زمانًا حتى نزلت هذه الآية، فأمره الله تعالى أن يُخفِّف عن نفسه فيصلي وينام، فنسخت هذه الآيةُ قيامَ الليل؛ فكان بعد هذه الآية يصلي وينام.
وقال مقاتل والضحاك: فلما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا، فقال كفار قريش: ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى؛ فأنزل الله تعالى {طه} يقول: يا رجل {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} أي لتتعب؛ على ما يأتي.
وعلى هذا القول: إن {طه} طاها أي طإِ الأرض؛ فتكون الهاء والألف ضمير الأرض، أي طَإِ الأرض برجليك في صلواتك، وخُفِّفت الهمزة فصارت ألفًا ساكنة.
وقرأت طائفة {طَهْ} وأصله طَأْ بمعنى طَإ الأرض فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت.
وقال زرّ بن حبيش: قرأ رجل على عبد الله بن مسعود {طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} فقال له عبد الله: {طِهِ} فقال: يا أبا عبد الرحمن أليس قد أمر أن يطأ الأرض برجليه أو بقدميه.
فقال: {طِهِ} كذلك أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.